هذا التحذير أطلقه مؤخرا مانفريد شبيتسر، العالم الألماني المتخصص في بحوث المخ، ووجهه للألمان من كل الأعمار، ولكنه قصد به خصيصا الأسر الألمانية التي تتساهل في استخدام أطفالها المفرط لأجهزة المالتي ميديا الحديثة في عصرنا الرقمي مثل التليفونات المحمولة والآي باد واللاب توب وغيرها من الأجهزة المتصلة بشبكة الإنترنت.
ويحذر شبيتسر، وهو خبير نفسي- عصبي بجامعة أولم، هذه الأسر من المخاطرة بصحة أطفالها الذهنية والعقلية بل احتمال إصابتهم في مرحلة متقدمة من العمر بأحد أعراض الخرف الذي تم اكتشافه حديثا في كوريا الجنوبية ويطلق عليه الخرف الرقمي أو ديجيتال الزهايمر.
وقد أطلق شبيتسر هذا الاسم علي كتابه الجديد الذي أشعل جدلا في ألمانيا حول الآثار السلبية لهذه التقنيات الحديثة علي الأطفال.
ويقول مانفريد شبيتسر أن الأمر استغرق زمنا طويلا حتى تكون لدي الأسر الألمانية وعي بمخاطر الجلوس أمام التليفزيون لساعات طويلة علي النمو العقلي لأبنائهم، لذا فهو يأمل ألا يستغرق الأمر طويلا هذه المرة قبل أن يتكون وعي مماثل بالنسبة لأجهزة الاتصال الحديثة بالإنترنت التي أصبحت جزءا من حياة أبناء الجيل الحالي.
لقد استقبل البعض في ألمانيا تحذيرات شبيتسر بقلق وفضول بينما أثارت تلك التحذيرات استياء البعض الآخر خاصة تحذيره من أن قضاء الأطفال صغار السن وقتا طويلا في تصفح الإنترنت مستخدمين تلك الأجهزة بشكل مكثف إنما يؤدي إلي إصابتهم بالغباء!
ولكن العالم الألماني عضد نظريته بأبحاث ودراسات وأدلة علمية مختلفة، مؤكدا أن إدمان الإنترنت وأجهزة الاتصال الحديثة يؤدي إلي تأخر نمو الأطفال العقلي وحدوث نقص في القدرات العقلية لا يمكنهم تعويضه طيلة حياتهم بعد ذلك.
ويصف المشكلة قائلا أن أطفال اليوم تجدهم في البيت مع الأسف يستخدمون أكثر من وسيلة من وسائط المالتي ميديا الحديثة للاتصال بالشبكة الالكترونية، وفي نهاية اليوم يكون هذا الطفل قد اتصل بالإنترنت لمدة ست ساعات مثلا ويري شبيتسر أن الأطفال يدفعون ثمنا لها من قدرتهم علي التركيز والتعلم، ويستشهد علي ذلك بتجارب عديدة أجراها العلماء الأمريكيون، أثبتت أن هؤلاء الأطفال يحدون صعوبة في التركيز ومن السهل تشتت انتباههم عن أقرانهم من الأجيال السابقة.
وفي المدارس كما يقول شبيتسر تجد الأطفال يتعلمون علي سبورات الكترونية تتم الكتابة عليها عن بعد بدلا من الكتابة التقليدية بالطباشير، إلي جانب تعودهم في سن مبكرة علي الاعتماد علي الكمبيوتر والبحث في الإنترنت بسهولة عن حلول للمسائل أو الواجبات المدرسية دون بحث أو تفكير. وبذلك تنكمش قدرة الأطفال علي الكتابة الحقيقية وتنمية قدرات التعلم وتشغيل عقولهم التي تتكون فيها ثغرات تؤثر سلبا علي نموهم العقلي.
ويقول العالم الألماني في كتابه انه خلال سنوات الطفولة الأولي حتى خمس سنوات يتطور90% من دماغ الطفل ومخه مما يمهد الطريق لتنمية قدراته علي القراءة والتحصيل الأكاديمي فيما بعد، وتبدأ الخلايا العصبية في إقامة اتصالات فيما بينها وممرات عصبية تصبح أسلاكا ودوائر تضع الأساس الذي يبني عليه الطفل قدراته وكل ما سيتعلمه لاحقا. ويطلق العلماء علي هذه القدرة المرونة العصبية وهي قدرة دماغ الإنسان علي التطور والتكيف والتغيير خلال الحياة وان يتعامل مع كل المتطلبات الجديدة ويستوعبها وقد كانت في الماضي أحد أسباب تطور الجنس البشري ولكنها اليوم تمثل في نظر شبيتسر وفي ظل عصرنا الرقمي هذا، خطرا كبيرا يهدد مستقبل أطفالنا.
ويضرب مثالا علي ذلك بما يحدث مع الكبار بالفعل حيث أصبح غالبية الألمان يعتمدون علي أجهزة الملاحة عبر الأقمار الصناعية التي ترشدهم بسلاسة إلى مقاصدهم دون الحاجة إلي خرائط ورقية أو أي عناء في التفكير، ويؤدي ذلك تدريجيا ومع الوقت إلي تضاؤل قدرة هؤلاء علي التعرف علي الاتجاهات دون مساعدة من هذه الأجهزة. ونفس الشيء يحدث بالنسبة لأطفال اليوم سواء في المدرسة أو في البيت فهم يعيشون في بيئة إلكترونية تشجع علي التكاسل في إعمال العقل وتؤدي فضلا عن ذلك إلي تشتت عقلي وقلة تركيز مما يزيد من احتمالات تعرضهم لتدهور تدريجي لقدراتهم العقلية في المستقبل، لذا يطالب مانفريد شبيتسر بالعودة إلي وسائل التعليم التقليدية في المدارس ويناشد الأسر تنمية مهارات أبنائهم في التفكير المنطقي السليم والمهارات اليدوية والعقلية بالحد من استخدامهم الإنترنت وتشجيعهم علي ألعاب الذكاء والتسلية التقليدية الورقية وزرع حب القراءة فيهم.
الكاتب: برلين- مازن حسان.
المصدر: صحيفة الأهرام.